القرآن فهما وعملا

من سلسلة “مع أبي”

(5)

في رمضان الكثير من الطقوس التي يقوم بها الناس، هذه الطقوس لا يتخلى عنها الانسان وتكبر معه وتبقى معه، مثلها مثل الغرس الذي يسقيه المزارع ليراه أمامه يكبر في مشوار حياته.

كان لوالدي _رحمه الله_ في رمضان (وبقية أيام العام) طقوسا بقيت معه حتى يوم وفاته، هذه الطقوس كنت أراها منه وأتمتم بصوت خفيّ “الهم هبني حرصا كحرص والدي، وعملا كعمله”.

كان والدي يحرص على تلاوة القرآن، وكان يرفض أن تكون التلاوة من مصحف لا يوجد فيه تفسير، حيث كان مصحفه الذي يستعمله في القراءة يوجد على جنباته تفسيرا للآيات، كنت أسأله لماذا كل هذا؟ ألا تستعمل مصحفا آخر!!!
كان يجيبني “القرآن فهما وعملا” قبل أن يكون تلاوة،،

كان يجيبني بذلك، ولكني كنت أفهم من خفايا كلامه أنه يريدني أن أهتم بجوهر الآية وليس ظاهرها،

كان يريد أن يعلمني بأن للقرآن حلاوة أكثر من حلاوة تلاوته فقط،

كان يعلم بأنني في يوم سأحتاج أن أدرس آيات القرآن وكأنني أقرؤها لأول مرة،

كان يجيبني وأمامه ورقات بيضاء يدوّن عليها وهو يقرأ، فيقودني فضولي أن أسأله عن هذه الورقات التي أمامه والتي ما ان انتهت واحدة حتى ملأ الأخرى وهكذا وبشكل دائم!!!

أخبرني بأنه يجمع في هذه الورقات الآيات التي تتحدث في موضوع معين،

كالآيات التي تتحدث عن السعادة،

وغيرها التي تتحدث عن العمل الصالح،

وأخرى التي تتحدث عن الهمّة ،

وأخرى عن الصلاة، والزكاة وأركان الاسلام،

وتلك التي تتحدث عن قصص الأنبياء،

وأخرى آيات الدعاء، وآيات رفع البلاء،

كان يجمع كل موضوع في ورقات، فحسبت أن الموضوع لا يتجاوز كونها مجموعة من الورقات يستعين بها والدي لمراجعة الآيات التي يتلوها،

فسألته عن ذلك، وعندها كانت دهشتي!!

كان يكتبها لكي يحفظها ويعيدها على مسامع من يقابلهم،

كان يكتبها لكي يصوّر تلك الورقات ويعطيها لمن يحتاجها،

كان يستعمل ورقات آيات تفريج الكرب والدعاء ليذّكر بها انسانا مهموما طاله الغم والنكد،

لم تنتهي دهشتي عند هذا الحد، فالطقوس لم تنتهي،

لقد كان دائم المواظبة على قرآءة القرآن عصرا وحتى آذات المغرب،

وكان حريصا على الاستيقاظ يوميا قبل صلاة الفجر بساعة ليكمل القراءة والتدوين والتفسير،،

كنت أراه وأقول “أنت تُتعِبني من بعدك يا والدي”

وبعد سنوات أنا أردد الآن “ليتني بمثل همتك، فهبني يا الله همة من عندك حتى لو لم تكن تعادل همة والدي يرحمه الله”

 

لا تنسوا والدي من دعوة صالحة صادقة في شهر رمضان المبارك

——

ادفع بالتي هي أحسن